قانون مدني موحد في الهند- استهداف للمسلمين أم إصلاح للأحوال الشخصية؟

المؤلف: ظفر الإسلام خان11.17.2025
قانون مدني موحد في الهند- استهداف للمسلمين أم إصلاح للأحوال الشخصية؟

في خطوة ذات دلالة رمزية، أقرّ المجلس التشريعي في ولاية أوتارخاند، الواقعة في شمال الهند، قانونًا مدنيًا موحدًا، وذلك في ظل هيمنة حزب "الشعب الهندي" القومي الحاكم على مقاليد الأمور في هذه الولاية. يشمل هذا القانون الجديد طيفًا واسعًا من اللوائح التي تنظم شؤونًا جوهرية، مثل الزواج والطلاق، وحقوق ملكية الأراضي، وقواعد الإرث، فضلاً عن جوانب أخرى من قوانين المجتمع والأسرة.

ومع ذلك، لن تمتد مظلة هذا القانون لتشمل أبناء القبائل في الولاية، الذين يشكل الهندوس غالبيتهم، والذين يخضعون بالفعل لقوانين الأحوال الشخصية الخاصة بهم. وعلاوة على ذلك، يستثني القانون أيضًا فئات أخرى من السكان، تم تحديدها بوضوح في الدستور. في المقابل، يُلزِم القانون الجديد المسلمين المقيمين في الولاية بالامتثال لأحكامه.

تجدر الإشارة إلى أن الهندوس من غير القبائل يلتزمون بالفعل بالقانون المدني، وذلك لعدم وجود شريعة محددة تنظم أحوالهم الشخصية، على عكس المسلمين الذين يستندون إلى شريعة إسلامية واضحة المعالم. وعلى سبيل المثال، يحظر القانون الجديد تعدد الزوجات، ويحدد سن الزواج للرجال بـ 21 عامًا، وللنساء بـ 18 عامًا.

ويأتي هذا القانون استجابةً للتوجهات التي يتبناها حزب "الشعب الهندي"، بزعامة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي ما انفك يدعو منذ سنوات إلى تطبيق قانون مدني موحد، بهدف حرمان المسلمين من الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية في مسائل الأحوال الشخصية.

ومنذ الحقبة الاستعمارية الإنجليزية، يمتثل المسلمون في الهند لأحكام الشريعة الإسلامية في مسائل الأحوال الشخصية. ففي أعقاب سقوط الدولة المغولية في عام 1857 على يد الإنجليز، استمر المسلمون في تطبيق قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية في قضايا متنوعة، مثل الزواج والطلاق وتقسيم الميراث والحضانة.

وقد أضفى الإنجليز على هذا الحق غطاءً تشريعيًا، عندما أصدروا "قانون الشريعة" في عام 1937، وهو القانون الذي لا يزال ساري المفعول في الهند حتى يومنا هذا.

كما أكدت الحكومات الهندية المتعاقبة بعد الاستقلال مرارًا وتكرارًا أنه لن يتم المساس بالأحوال الشخصية الإسلامية إلا بناءً على طلب من المسلمين أنفسهم.

ومع وصول حزب "الشعب الهندي القومي" إلى السلطة، بدأ غلاة الهندوس في الترويج لفكرة مفادها أن تطبيق المسلمين للشريعة الإسلامية في شؤونهم الشخصية يعرقل اندماجهم في المجتمع الهندي، وبالتالي لا بد من إلغائه وفرض قانون مدني موحد على جميع أفراد المجتمع.

إلا أن الواقع يشير إلى أن القانون المدني الموحد، حتى في حال صدوره، سيطبق على المسلمين وحدهم، إذ إنه لن يكون سوى القانون المدني المعمول به حاليًا في الهند، والذي يخضع له الهندوس بالفعل. وبالتالي، لن يطرأ أي تغيير على وضع الهندوس، في حين سيُجبر المسلمون وحدهم على العمل بالقانون المدني، والتخلي عن الشريعة الإسلامية في شؤونهم الشخصية.

وهناك المئات من الشرائح الاجتماعية (يتراوح عددها بين 250 و300 شريحة، وفقًا لوزير القانون السابق ويرابا مويلي) التي تتمتع بقوانين مدنية خاصة بها، بما في ذلك شرائح هندوسية ومسيحية وسيخية وقبلية وسكان المناطق الجبلية. ومن المؤكد أن الحكومة ستجد ذرائع وحججًا لاستثناء هذه الشرائح من القانون المدني الموحد، ليظل المسلمون وحدهم هم من سيُفرض عليهم هذا القانون.

ذرائع وحجج

دأب قادة حزب "الشعب الهندي" على رفع أصواتهم من حين لآخر للمطالبة بسن قانون مدني موحد، وذلك بهدف حرمان المسلمين من التمتع بالشريعة الإسلامية.

ويستند غلاة الهندوس في حججهم إلى أن الدستور الهندي يلزم الدولة الهندية بسن قانون مدني موحد، مشيرين إلى "مبدأ توجيهي" في الدستور، على الرغم من أن الدولة الهندية غير ملزمة بالعمل به. ولم يتم تفعيل هذا المبدأ التوجيهي على الرغم من مرور 72 عامًا على صدور الدستور، وظلت الدولة الهندية تؤكد لمختلف الفئات أنها لن تمس قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بها.

ويتجاهل هؤلاء حقيقة أن القانون المدني الموحد هو مجرد واحد من 23 مبدأ توجيهيًا مذكورًا في الدستور الهندي، وأن أغلب هذه المبادئ لم يتم تنفيذها حتى الآن. ومن بين هذه المبادئ تحريم الخمور (المادة 47)، وتوفير الرعاية الصحية لجميع المواطنين (المادة 47)، وتوفير الغذاء والتعليم وسبل الحياة الكريمة لجميع أفراد الشعب وحمايته من الاستغلال (المادة 46).

وكذلك تقسيم ثروة البلاد بعدل، والمساواة بين الرجال والنساء، ومنع تركز الثروة في أيدي قلة (المادة 39)، وتوفير العدالة للجميع والتأكد من أن أحدًا لا يُحرم من الإنصاف بسبب الفقر (المادة 41)، وتنظيم المجالس القروية لضمان قيام الحكم القروي (المادة 49).

بالإضافة إلى توفير التعليم وفرص العمل لجميع الهنود، وتقديم المساعدة للمرضى وكبار السن والعجزة (المادة 41)، وضمان مشاركة العمال في ملكية المصانع (المادة 43/أ)، وحماية القضاء من التدخل الحكومي (المادة 50)، وتوفير العدالة على جميع المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية (المادة 38/أ)، والحد من الفوارق في الأجور (المادة 32/2).

وأيضًا القضاء على عدم المساواة الاجتماعية، وتوفير الفرص المتكافئة لجميع المواطنين (المادة 38/2)، وضمان أجور معقولة للعمال (المادة 43)، والعمل على تعزيز السلام والأمن على الصعيد العالمي (المادة 51)، وتوفير التعليم المجاني والإلزامي لجميع الأطفال حتى سن 14 عامًا (المادة 45) إلخ... كل هذه المبادئ التوجيهية لم يتم تنفيذها أو تم تنفيذها بصورة جزئية فقط.

ولا يتحدث غلاة الهندوس عن ضرورة تنفيذ هذه المبادئ، بل يعملون على عكسها. وعلى سبيل المثال، تعمل حكومة مودي على تعزيز ثراء الأثرياء وتكديس الثروات في أيديهم، وتسعى باستمرار للسيطرة على جميع أجهزة الدولة، بما في ذلك النظام القضائي.

ومن اللافت للنظر أنه على الرغم من المطالبات المستمرة بتطبيق القانون المدني الموحد، لم يتم حتى الآن وضع مسودة له ونشرها، حتى يتمكن الناس من فهم المقصود بهذا القانون.

مطالب قديمة

إن المطالبة بقانون مدني موحد في الهند ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى بدايات القرن العشرين، عندما نادت به المرأة الهندوسية، وذلك لأن القانون الهندوسي لم يكن يمنح المرأة الهندوسية أي حقوق فيما يتعلق بالميراث أو إدارة الأسرة أو حضانة الأطفال عند الانفصال، أو حق الطلاق أو حق الحضانة، كما لم يكن يسمح للمطلقة والأرملة الهندوسية بالزواج مرة أخرى.

وعقب الاستقلال، أصدرت الدولة الهندية عدة قوانين لمنح المرأة الهندوسية الحقوق المنشودة. وقد عارض غلاة الهندوس تلك القوانين بشدة في ذلك الوقت، ولكنها أُقرت بفضل الأغلبية التي كان يتمتع بها حزب "المؤتمر" في البرلمان خلال العقود الأولى التي أعقبت الاستقلال، وبفضل الاحترام الذي كان يحظى به قادة مثل جواهر لال نهرو.

وقد نوقشت قضية القانون المدني الموحد مرارًا وتكرارًا في البرلمان الهندي، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنه. وكان المجلس التأسيسي قد قرر منح كل مواطن الخيار بين العمل بالقانون المدني العام (الذي صاغه الإنجليز) أو بقوانين الأحوال الشخصية الخاصة بدينه وتراثه.

وقال الدكتور أمبيدكار، واضع الدستور الهندي، خلال مناقشة القضية في المجلس التأسيسي يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 1948: "لا ينبغي لأي حكومة أن تمارس سلطاتها بأسلوب يدفع الطائفة المسلمة إلى التمرد. أعتقد أن أي حكومة تحاول ذلك ستكون حكومة مجنونة".

وصرح رئيس الوزراء جواهر لال نهرو خلال هذه المناقشة: "أي تغيير من هذا النوع (في القانون المدني) لن يتم تطبيقه إلا على أي طائفة توافق عليه تلك الطائفة".

قضية شاه بانو

عادت قضية القانون المدني الموحد إلى الواجهة مرة أخرى عندما توجهت امرأة مسلمة تدعى (شاه بانو) إلى المحكمة العليا في عام 1985، وذلك لأن زوجها طلقها ولم يمنحها نفقة وفقًا للقانون الهندي المدني. وقررت المحكمة العليا منحها نفقة مدى الحياة استنادًا إلى بعض ترجمات القرآن الكريم.

وقد أثار هذا القرار غضب مسلمي الهند، الذين أجبروا حكومة راجيف غاندي على التراجع، فقامت الحكومة بسن قانون يستثني المطلقة المسلمة من القانون المدني الذي يمنح المطلقة نفقة مدى الحياة.

وفي عام 2015، اشتعلت القضية مرة أخرى عندما أوصت المحكمة العليا في أحد قراراتها بسن قانون مدني موحد لجميع المواطنين، الأمر الذي أثار حفيظة المسلمين الذين اعتبروا أن سن أي قانون من هذا القبيل يعني سحب الحقوق الدينية والثقافية التي يمنحها الدستور الهندي للأقليات الدينية.

وقد أعربت حكومة مودي مرارًا وتكرارًا عن رغبتها في سن قانون مدني موحد، ولكنها لم تجرؤ على ذلك حتى الآن، باستثناء سن قوانين فرعية مثل حظر الطلاق الثلاثي في جلسة واحدة.

وعندما طالبت مفوضية القانون الهندية في العام الماضي بضرورة سن قانون مدني موحد، واجهت هذه المطالبة معارضة شديدة من المسلمين وغيرهم. وقدم مجلس الأحوال الشخصية الإسلامية (وهو تنظيم أهلي إسلامي تأسس عام 1973 للحفاظ على قانون الأحوال الشخصية الإسلامي) مذكرة تعارض هذه التوصية، وحملت توقيعات 48.1 مليون شخص.

شعار لضرب المسلمين

يستخدم غلاة الهندوس شعار "القانون المدني الموحد" كوسيلة لضرب المسلمين وإصابتهم بالإحباط. ومن المؤكد أنه في حال صدور هذا القانون بالفعل، سواء على مستوى الولايات أو البرلمان المركزي، فإنه سيطبق على المسلمين وحدهم، لأن القانون المدني الحالي هو قانون هندوسي، وقد تم استثناء شرائح كثيرة منه.

ولا يُتوقع أن يفرض حزب "الشعب الهندي" القانون المدني الموحد على الشرائح الهندوسية والمسيحية والسيخية والقبلية التي تتمتع باستثناءات، لأن ذلك سيؤدي إلى تمرد واسع النطاق في جميع أنحاء الهند.

أما المسلمون، فيرى قادة حزب "الشعب" أنه يمكن التلاعب بهم، وأنهم لن يثوروا. وقد اختبر غلاة الهندوس هذا الأمر خلال الأعوام العشرة الماضية من خلال مختلف بالونات الاختبار، مثل قتل المسلمين على الهوية، وقتلهم بتهمة تناول لحوم الأبقار أو ذبحها، وتدمير المساجد والمزارات والمدارس الدينية، وتحريم الحجاب واللحوم الحلال، وهدم بيوت المسلمين بالجرافات لأتفه الأسباب ودون مراعاة القانون والإجراءات القضائية، واعتقال الآلاف من الشباب المسلم بتهم الإرهاب وتأييد داعش والقاعدة، وهي تهم كاذبة، ولكن يتم تلفيقها من وقت لآخر بمنتهى الذكاء.

ومن المتوقع أنه بعد موافقة ولاية أوتارخاند على قانون مدني موحد، ستحذو حذوها ولايات أخرى، ولا سيما تلك التي يحكمها حزب "الشعب الهندي"، إلى أن تتوفر البيئة المناسبة محليًا وعالميًا لكي تتقدم الحكومة المركزية لتمرير قانون مدني فدرالي عبر البرلمان المركزي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة